Jumat, 14 Agustus 2015

العـربية لغـة عالميـة ولغـة القـرآن

بقـلم : أحمـد مخـلص محفـوظ
عرفنا أن اللغة العربية وظيفة كبرى فى حياة الفرد, فهى التى يتخها المرء للتعبير عما يجيش فى نفسه من احساسات وأفكار, وهى وسيلة لاتصال المرء بغيره, وبهذا الاتصال يحقق ما يصبو اليه من مآرب وما يريده من حاجات[1]. فاللغة بالنسبة الى الفرد هي وسيلته للتعبير عن مشاعره وعواطفه واحساساته وما ينشأ فى ذهنه من أفكار[2]. ويعد هذا التعبير من اظهر الفوارق بين الانسان وغيره من الاحياء, اذ لولا اللغة لبقيت المشاعر والأفكار رهينة بصاحبها لا يستطيع ايضاحها أو ايصالها الى غيره كي يشاركه فيما يحس به أو يفكر فيه. فباللغة تكتسب الحياة البشرية سمة رائعة من سماتها, وهى سمة المشاكة والمبادلة فى العواطف والاحاسيس. وبقدر ما تكون تجربة المرء الشعورية صادقة يكون  تأثيرها قويا فى نفوس الاخرين[3].
واللغة بالنسبة الى المجتمع هى الادات التى تربط أفراده بعضهم ببعض. فيقضون مطالبهم. ويوجهون نشاطهم, ويدور بها التعامل بينهم. ولا يقف الامر باللغة عند حد التفاهم والاتصال بافراد المجتمع فى الوقت الحاضر بل انها الوسيلة لنقل التراث من الماضى الى الحاضر ومن الحاضر الى المستقبل, فهى الجسر الذى تعبر عليه الثقافة عبر الاجيال, بالاضافة الى انها تحتفظ بالتراث والتقاليد الاجتماعية جيلا بعد جيل, اذ ان كل كلمة تحمل فى طياتها خبرات بشرية. ولو لا لغات الاقدميين لما عرفنا شيئا عن خبراتهم, فاللغة تحفظ التراث, وتنقل الحضارة, ولهذا كانت لغات الامم الحية حية امثالها ولغات الامم الميتة ميتة مثلها ولو كان أهلها يروحون ويجيئون[4].
وللغة دور هام فى حياة المجتمع فهى ادة التفاهم بين الأفراد والجماعات, وهى سلاح الفرد فى مواجهة كثر من المواقف التى تتطلب الكلام أو الاستماع أو الكتابة أو القراءة, وهذه الفنون الآربعة أدوات هامة فى اتمام عملية التفاهم من جميع نواحيها, ولا شك أن هذه الوظيفة ما أهم الوظائف الاجتماعية للغة[5]. كما أن من وظائفها الاجتماعية اتخاذها اداة للدغاية, فالخطب والمقالات والنشرات والاذاعة كلها وسائل لغوية للدعاية التى أصبح لها شأن خطير فى الحياة الانسانية[6].اللغة العربية لغة غنية, دقيقة, شاعرة, تمتاز بالوفرة الهائلة فى الصيغ, كما تدل بوحدة طريقتها فى تكوين الجمة على درجة من التطور أعلى منها فى اللغات السامية الأخرى[7]. وهى لغة متميزة من الناحية الصوتية, فقد اشتملت على جميع الأصوات التى اشتملت عليها اللغات السامية الأخرى[8].
كانت اللغة العربية لغة عالمية فى العصر العباسي, الذي ازهرت فيه الحضارة الاسلامية, وكانت العربية لغة تلك الحضارة التى ترجمت اليها الكتب من اليونانية والفارسية, وألف بها العلماء فى الطب, والهندسة, والرياضيات, والعلوم, وغير ذلك. وحملت اللغة العربية تلك العلوم الى اوروبا, فكانت أساس الحضارة الغربية الحديثة.
واللغة العربية لغة صنعت قانونها بنفسها. فالعبر أهل غناء يحدون الابل, ويعرفون الدف والمزمار والربابة. وقد تدرجت هذه المعرفة فاذا هم شعب يغني. وقد ساعدتهم العربية على ذلك, فان لها جرسا ورنينا موسيقيا. فاذا تكلم ذو بيان فانك تطرب لسماعها, وتفهم بيانها, وترتاح لتبيانها. وهى  بهذا الجرس والزنين منحت العربي التفوق فى الأداء, عناء أو شعرا على وزن وقافية[9].
مرت بالعرب بعد ذلك عصور من الضعف, وابتعدوا فبها عن دينهم, وهجروا اللغة العربية الفصيحة, واستعملوا اللهجات, ثم جاء الاستعمار, فحارب الثقافة الاسلامية, واللغة العربية الفصيحة, وشجع اللهجات, فكانت هناك لهجة مصرية, وأخرى مغربية, وثالثة سورية, وهكذا ... وقد أدى هذا الى تفرق العرب وبعد بعضهم عن بعض بحيث اذا سافر العربي من بلده الى بلد عربي آخر, وجد بعض الصعوبة فى الاتصال بأهل ذلك البلد اذا تحدثوا بلهجاتهم, ولا يتحقق الاتصال التام بينه وبينهم, الا اذا كان الحدبث باللغة العربية الفصيحة.
اختلف الأمر اليوم, فضعفت اللهجات, وقويت اللغة العربية الفصيحة, بسبب التعليم ووسائل الاتصال الحديثة كمثل وسائل المعينات السمعية والبصرية المستخدمة فى المدارس والمعاهد الجامعات اسلامية كان أم عموميا. وأصبحت العربية لغة عالمية مرة ثانية, كالإنجليزية, والفرنسية, والإسبانية. فهى احدى اللغات الرسمية فى هيئة الأمم المتحدة, وهى اللغة السادسة فى العالم,  يتحدث بها أكثر من 200 مليون عربي, ويؤدي العبادات بها أكثر من مليار مسلم فى انحاء العالم.
العـلاقـة بين العـربية والقـرآن الكـريم
إن اللغة العربية مكان خاصة بين لغات العالم. كما أن أهمية هذه اللغة تزيد يوما بعد يوم فى عصرنا الحاضر. وترجع أهمية اللغة العربية الى الأسباب الآتية :
أ‌.         لغة القرآن الكريم, إن اللغة العربية هى اللغة التى نزل بها القرآن الكريم. وهى بذلك اللغة التى يحتاجها كل مسلم ليقرأ أو يفهم القرآن الذى يستمد منه المسلم الأوامر والنواهى والأحكام الشرعية.
ب‌.       لغة الصلاة. إن كل مسلم يريد أن يؤدى الصلاة عليه أن يؤديها بالعربية. ولذلك فإن العربية مرتبطة بركن أساسي من أركان الاسلام. فيصبح تعلم العربية بذلك واجبا على كل مسلم.
ت‌.      لغة الحديث الشريف. إن لغة أحاديث الرسول الكريم هى اللغة العربية. ولذا فإن كل مسلم يريد قراءة هذه الأحاديث واستيعابعا عليه أن يعرف اللغة العربية.
ث‌.      المكانة الاقتصادية للعرب. إن العرب الآن ينمون اقتصاديا  بشكل سريع بفضل ما لديهم من ثروات نفطية ومعدنية, مما يجعل لهم وزنا اقتصاديا كبيرا ووزنا سياسيا موازيا, وتتواكب أهمية اللغة مع الأهمية الاقتصادية والسياسية لأصحابها.
ج‌.       عدد متكلمي العربية. إن العربية مستخدمة كلغة أولى فى اتنتين وعشرين دولة عربية وتستخدم كلغة ثانية فى كثير من الدول الاسلامية. وهذا يعنى أن سبع دول العالم تتكلم العربية لغة أولى. كما أن كثيرا من شعوب الدولة الاسلامية لديها الاستعداد النفسي, بل وترحب, بتعلم اللغة العربية لارتباط هذه اللغة بديانة هذه الشعوب[10].
اليس القرآن كتاب هذا الدين ؟ ثم أليست العربية لغة هذا الكتاب ؟ هل عرف العالم اسلاما بلا قرآن, وهل عرف العالم قرآنا بغير العربية ؟ إن ارتباط كتاب سماوي منزل بلغة بعينها كارتباط الاسلام باللغة العربية أمر لم نعرفه لغير هذا الدين, ولغير تلك اللغة. واذا كان غير القرآن من الكتب السماوية المقدسة كالإنجيل الذى تم تحريفه, قد ترجم الى لغات كثيرة, وبقي عند كتابا تعبديا مقدسا, فإن القرآن قرآن بلفظه, ونصه لم يترجم, ولم يمكن أن يترجم. وإن ترجمت أفكاره ومعلنيه, فهى لا تسمي قرآنا, ولا يصبح أن تكون فى الاسلام كتا تعبديا.
يمثل القرآن الكريم فى التربية الاسلامية المصدر  الاساسي لها, ولكل فكر اسلامي. فهو القاعدة التى يرتكز عليها الاسلام عقيدة وتشريعا وتنظيما. وهو الاساس الذى انتظم مسيرة الحياتين للإنسان منظما موضحا, مفسرا وشارحا[11]. وهو كذلك العقد والعهد الذى يجمع المسلمين على وحدة العقيدة المتمثلة فى الايمان بالله, وبالغيب. وكل مسلم يجب أن يرتبط بهذا الكتاب ارتباط حب وولاء وارتباط تعلم وفهم, وادراك نبعض غاياته ومرامية[12].
وهكذا أو جد الاسلام ارتباطا بينه وبين اللغة العربية, ةكان من أثر هذا الاتباط المبارك, أن عادت على اللغة العربية جهود وثمرات, لم يبذلها أصحابها – يوم بذلوها – الا خدمة لهذا الدين. وليس هنا مجال الحديث عن نشأة علوم العربية, وارتباطها بخدمة الدين والقرآن. وكان من مفاخر اللسان العربي, أن كان هو لغة المعجزة الخالدة القرآن.
وقد نزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم لهداية الناس, وارشادهم الى ما فيه صلاهم فى الدنيا والآخرة "كتاب أنزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر غاية اولو الألباب (ص: 29).
وهو كتاب تربية وتوجية, كتاب ينشئ النفوس على الطريق المستقيم. وهو يؤدى مهمته هذه كاملة دون ان يتعرض لنظريات العلم المختلفة. وان ما ورد فى ثناياه من "المعلومات" اشارات كونية للانسان ليفتح بصريته على ايات الله فى الكون, فيتصل بالخالق, ويحبه ويخشاه[13].
لقد شك الاسلام اقواما غير عرب الى اللغة العربية, ونشر اللغة العربية فى بلاد لم يكن للعرب فيها سلطان. لقد خرجت العربية من جزيرة العرب مع الفتح الاسلامي, فاذا هى لغة أهل الشام والعراق وما وراءه ومصر وما وراءها, واذا هى تتعدى كونها لغة دين الى كونها لغة شعوب ودول.
ومازال للاسلام أثره فى نشر العربية وحفظها فى البلاد غير العربية كمثل اندونيسيا, وهو أثر يفوق آثار المراكز الثقافية التى نراها اليوم منتشرة فى بلاد العالن لنشر لغات كالفرنسية, أو الإنجليزية. إن اصحاب هذه المراكز ينفقون الملايين فى سبيل الدعاية لمراكزهم وثقافتهم, زنشر لغتهم, على حين أن الاسلام يجعل من اهل البلاد التى ينتشر فيها شعوبا راغبة فى تعلم لغته. وما أكثر ما نسمع أصواتا ترتفع فى تلك البلاد, مطالبة بإرسال المدرسين العرب, لتعليم اللغة العربية, أو مطالبة بقبول ابنائها فى مدارس البلاد العربية وجامعتها, ليتعلموا اللغة العربية.
لقد استهوى الاسلام اقواما, فحبب اليهم لغته, بل لقد كان للإسلام فضل عظيم فى ظهور عدد لا يحصى من العلماء غير العربو يبغوا فى لغة العرب وعلومها من نحو وصرف وبلاغة, وحسبنا سيبويهعلما لهذه الطائفة من العلماء غير العرب, الذين بلغوا القمة فى علوم العربية, حتى اصبحوا مضرب المثل. والله أعلم بالصواب.




[1]  جودت الركابي, طرق تدريس اللغة العربية, دار الفكر المعاصر, بيرت, لبنان, 1996, ص. 9.
[2]  محمود أحمد السيد, الموجز فى طرق تدريس اللغة العربية, دار العودة, بيروت, 1980, ص. 11.
[3]  نفس المرجع, ص. 11.
[4]  نفس المرجع, ص. 12.
[5]  جودت الركابي, نفس المرجع, ص. 9.
[6]  جودت الركابي, نفس المرجع, ص. 9.
[7] كارل برو كلمان, فقه اللغات السامية, ترجمة رمضان عبد التواب, مطبوعات جامعة الرياض, الرياض, 1977, ص. 29.
[8]  على عبد الواحد وافى, فقه اللغة, دار النهضة مصر للطبع والنشر, القاهرة, بدون تاريخ, ص. 166.
[9] على احمد مدكور, تدريس فنون اللغة العربية , دار الشواف,  القاهرة, 1991, ص. 47.
[10]  محمد على الخولى, أساليب تدريس اللغة العربية, المملكة العربية السعودية, الرياض, 1982, ص. 20.
[11]  ابراهيم محم عطا, طرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية, مكتبة النهضة المصرية, الجزء الثانى, القاهرة, 1996, ص. 196.
[12]  محمد صلاح الدين مجاور, تدريس التربية الاسلامية اسسه وتطبيقاته التربوية, دار القلم, الكويت, 1976, ص. 217.
[13]  ابراهيم محم عطا, نفس المرجع, ص. 196.

Tidak ada komentar:

Posting Komentar